رسالة على سطح المكتب ..

فى ليلة من ليالي الربيع زهدتُ فيها الفكر وخرجتُ مُعلناً رحيلي عن جدران منزلي المُظلم ..

غادرتُ بيقين أنني إن خرجتُ لم أعود إلا بعد حدث غير متوقع ، وقصدت في طريقي الحدائق والورود ونظرتُ لمكان بِتُ امتلكه في مواعيد أحزاني ولكني قررت أن ادير ظهري إليه اليوم باحثاً عن طريق آخر ..

قصدتُ الطريق المستقيم باحثاً عن نور نهايته .. اهتدي به باقي الحياه ، ولكن أوقفني شيخ كبير يستند على عكاز مشروخ يتمايل منه يميناً ويساراً يسألني عن طريق غاب عنه وأخبرني أنه يسير في طريق متعرج منذ ساعات دون أن يجد العنوان المطلوب ، ولامست وجنتيه المجعدة قطرات من دموعه ناظراً لعكازه قائلاً أن أولاده لم يسندوه في كِبره وغادر المكان محاولاً بإستماته التوازن مع عكازه .

حاولت اكمال الطريق والتخلي عن أفكار تراودني بشأن العجوز وأغلبها تتعلق بمصيري عند الوصول لعمره!

امتص من الورود والسماء هالة من التفاؤل تكون كدرع يحميني من مصاعب الطريق حتى وصلت لمكان لم اتمكن من تخطيه دون الاستمتاع براحة العقل والقلب فيه " الضفة التي منها تطل على حياة آخري ومدينة جديدة .

وقفت على إحدى الصخور العالية لأتمكن من الاقتراب من السماء ولو بسنتيمترات وأصبحت الضفة الآخرى أمامي مرئية ولكنها غير واضحة الملامح .. صغيرة التفاصيل ، كان لجواري صاحب إحدى المراكب الخشبية البسيطة وقد اهتم بتجميلها بدرجة تثير النظر إليها ، تجعل من يراها يتمناها رغم بساطتها ورغم ذلك الثقب في شراعها ، أخبرني أن هذه المركب لم تتحرك منذ سنوات رغم جمالها وترتيبها إلا أن عيبها في شراعها وعندما سألته عن سر عدم إصلاحه لعيبها أجاب وبثقة أن ما يُفسد لا يمكن إصلاحه مهما كان جميلاً من الخارج لكن عيبه الداخلي كان سبب في ركوده .

وعبرتي لم تتوقف معهم فسوف اسير واستكمل طريقي في الحياة ، لم تكن حيلة أو صدفة لمقابلتي لذلك العجوز الحائر أو لصاحب المركب الراكد. ولكني وقت إدراكي لرسائل الله اليومية فتحت ذراعي ونظرت للسماء بابتسامة فجاءت نفحة هواء تخترق حجابي الحاجز الذي احجب عني الحياة سنوات ، وأدركت أن الذي مضى من عمري بين جدران منزلي المظلم لن يعود مرة آخري حتى لا أكون ذلك الرجل العجوز يوم ما أو كتلك المركب الراكدة منذ سنوات .


بقلم : مي طارق ..