في عداد الموتي



كتبت:سماح رمضان

مساء الخير عزيزتي بيانكا :
سلاما طيبا وبعد، الأحوال هنا تسوء حد الألم، الوضع في غاية الخطورة، لابد وأن تعلمي جيدا أنني أحببتك بكل ذرة من كياني، إعلمي جيدا يا عزيزتي أنني كنت ولازلت مخلصا لك، وأن هذا الغياب ليس بيدي، إنما هي ظروف الحرب، هي نفسها التي أخرت زفافنا مرارا، والتي أخذتني منك في الشهر الأول من عقد الزفاف، عزيزتي أعتذر كثيرا عن كونك لم تنالي أبسط ما تناله أي فتاة بعد زواجها، لطالما رسمت لك حياة سعيدة معي، كلها سعادة، لكن..... واجبي نحو موطني يستدعي مني ترك الأماني جانبا وطرح كل التخطيطات أرضا في سبيل سلامة هذا الوطن، الأمر شديد الصعوبة هنا، أصعب مما يخيل، أن تكون قائدا مسئولا عن سلامة الجميع، أن تري أصدقائك من الجند يقتلون، وأن يغتصب العدو الأرض وأن يسفح بهم بوحشية وقسوة دون شفقة، لقد كان الأمر عصيبا، بت أريد الانتقام، لكل أولئك الذين آمنوا بي، وقفوا بكتفي، حاربوا ودافعوا عن كل ذرة تراب من وطنهم ببساله وقوة وثبات، علك تعجبين من أمري، وكيف كتبت لك اليوم، لقد كلفت أمر حماية الحصن والذخيرة أثناء اشتعال الحرب، ولكن يعلم الله أني أردت أن أكون في أول الصفوف دفاعا عن قضيتي وثأرا لأبناء وطني، أردت التوغل في حصون العدو وإثارة الذعر فيهم والثأر لاخوتي، بيانكا، الايام تمر بصعوبة هنا، لست أدري هل لي من عودة، أم أنني في عداد الموتى، الأبشع أنك هنا تنتظر اللآشئ، لا تعرف مصيرك، كذلك لا يمكنك الإستسلام أو التراجع أو حتي إعادة التفكير في الأمر، ليس هذا من شئونك وحدك، إنما هي دولة عظمى وجيش عملاق وشعب وضع ثقته كلها بين راحة كفوفنا، عزيزتي أريدك فقط أن تصلي، صلي واستمري في الدعاء لأجلنا، يؤلمني كثيرا أن أخبرك أن تستمري في الإنتظار كما كنا نفعل معا كل مرة، لكن هذه المرة ستنتظرين وحدك، كما سأرتشف أنا الصبر هنا، لقد رحل أصدقائي، بالأمس صاروا في عداد الموتى، أحدهم كان يحب فتاة منذ ما يزيد عن ثمان سنوات، وقد كان والدها كثير الرفض كما كان هو كثير المحاولات، قبل بضع ساعات فقط من مقتله جائته بشري الموافقه تزف كما سيزف هو إلي الجنة شهيد، والأخر وحيد أمه، أحدهم هو الكفيل للعائلة، وكلهم أوصاني بأهله من بعده، لست أدري إن كان لي عمرا كيف سأعيشه ولحظة الفراق تقطن عقلي، صراع دام لأيام، يصيبني بالجنون تارة وأخرى بالإكتئاب، ومن حين لأخر تشتعل نار الإنتقام في قلبي وكلهم في صمت، صمت شبيه بإنتحار صديقك نصب عينيك ولا تستطيع الدعاء له لعلمك التام بأنه لا جدوى تذكر من التوسل والدعاء، فالجحيم..... الجحيم لكل عدو جاء، لهم الجحيم وما سواها يثأر لدماء الشهداء والأبرياء، القذائف هنا تهطل بغزارة، كما تسير الدماء كما البحر العاصف شديد منسوب الماء، كانوا جناة معتدين لهم الجحيم، عزيزتي كلما اشتدت الأمور هنا كلما كان حبك في إزدياد وزيادة، مرت نسمات الفجر عابثة في وجهي، تذكرت نسمات ضحكاتك، كما اشتقت لرؤيتها، كان هذا هو الترياق لي من هذا السراب، لما الحروب إذن والعالم يود السلام، الأن فقط علمت أنك كل السلام لقلبي، ذاك القلب المحمل بالندوب، والذي توليتي أنت أمر رعايته عزيزتي، لك السلام من قلبي وكل الحب منه، لقد علمتني أن أدافع عن قضيتي، أن أقاتل لأجل من يؤمنون بي ولأجل كل ذرة حب، لكل أب وأم وابن، لأجل الشهداء، لأجلك يا عزيزتي، لأجل سلام الوطن، نحن الأن علي حواف ديسمبر،تتساقط منا الذكريات والمشاعر كما تتساقط السنوات، سنة أخري تمر ولو عددنا أعوامنا وسنواتنا لوجدنا سنواتنا أكثر عددا من الأعوام، نحن الأن علي القمم فوق حواف النسيان، نتراقص كما لو أننا سعداء، نتراقص كما راقصة الباليه، كلما إقتربت إلينا العيون وجدتنا نقاتل برشاقة وليس هذا بالرقص، يبدو أن هذا الفن خلق للموجوعة قلوبهم، خلق لأجل المشتاقين، هي لغة لم يفهمها سوي من غرق بين طياتها واستوطن ثناياها وأحبها بصدق، في بعض الأحيان ستحبين حزنك لأنه هو الذي تولي أمر نضوج عقلك، لأنه هو نفسه الذي جعلك تقدر سعادتك.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معلومات عن جرثومة المعده " H pylori"

" الخشت " يصدر قراراته بشأن امتحانات الميد ترم والتكليفات الدراسية

عروض تركسل تعقيب العرض المطروح 5 جيكابايت 500 دقيقة