الجزء الرابع من قصة اعترافات في حجرة مظلمة

اعترافات في حجرة مظلمة


دخل الأب كالثائر على ابنته صائحا بها في لهجة لا تحمل شيئا من الرحمة أو العتاب الحاني، وكأن بركانا من القسوة تدفقت حممه فتشكلت الصهارة مندفعة في استقواء على الفتاة جراء ذاك الحديث الذي دار بين الزوجين حتى اندفعت ثورته كلها في وجهها فتصلبت هي كالتمثال، ولكن إن وجد التمثال ثورة بداخله، لا بد وأن ينفجر، كي يصبح إنسانا، يشعر ويتألم، ويدافع عن حقه ويناقش ما يخصه أو ما يراه حتى يثبت ذاته، قد تعلمت من أمها طاعة والدها حتى لا تخسره، ولكن إن اختلفا في أمر ما وهي تري أنها على حق تناقشه أم تطيعه طاعة عمياء...، فإن أطاعته طاعة عمياء، فلم تعلمت مفهوم الحرية، وإن كانت مجرد أقاويل، فكيف تدوم الحياة بالخوف؟! 
 كيف لنا أن نقيم علاقة سوية يتحكم فيها الخوف والأنانية وحب السيطرة.


 بدأ الصدام بالأعين قبل الألسن، فتحررت عيناها من ذلك الخوف الذي كان يكبلها، ونظرت إلى أبيها دون خوف قائلة " لم تحرمني من كل شيء أحبه ياوالدي. لأنني فتاة؟ فليست هذه مشكلتي، فالله قد خلقنا رجالا ونساء معا، أم لنقص الأمان؟ ولكن لا يعد سببا منطقيا فإن أصبحت قادرة على الذهاب والإياب فإنه يوجد أمان أم أنه فقط كي ينفذ أمرك. 

 مذ ولدت وحتى الآن لم يُتخذ قرار إلا وأنت صادره، دون سماع رأي أو التفات لمعارضة وكأنك الرب الأعلى، لذلك نشأنا عائلة خاضعة لحكمك، خائفة من معارضتك، تجنبا لوقوع العقاب عليها. آسفة يا أبي على قول ذلك ولكني لم أشعر في يوم أنه بإمكاننا أن نصبح أصدقاء ولكن ستظل العلاقة بيننا كالحاكم والشعب، يفصل بينهما آلاف العوائق والعراقيل، فمن المستحيل أن يشارك الحاكم يوما حياة مواطن فقير عنده!

 تنهى زينب كلماتها باكية، تلوم نفسها وتعاتبها وفي ذات الوقت تتعجب منها كيف استجمعت كل تلك القوى، كيف تحولت من إنسانة خاضعة إلى مستبدة، فربما يكون في الخضوع شيئا من الصواب ولكن كيف لها أن تنطق وتحكم وتؤيد الحكم لسنين وقرون قادمة دون أمل في تغيير ما حدث أو رغبة في الحنين والرجوع إلى حضن أبيها ...ما أقساني حينها!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معلومات عن جرثومة المعده " H pylori"

" الخشت " يصدر قراراته بشأن امتحانات الميد ترم والتكليفات الدراسية

عروض تركسل تعقيب العرض المطروح 5 جيكابايت 500 دقيقة