الجزء الخامس من قصة اعترافات في حجرة مظلمة

اعترافات في حجرة مظلمة

أتعلمين يا مرآتي ما حدث لأبي بالأمس؟ لم يعد ينظر إلي وكأن وجودي لا قيمة له، شيئ ما أشبه بالحي الميت ولكن ربما يكون أصعب فهنا تجدى إعترافا من والد الحي الميت بعدم وجوده... فتحكي لي أمي أنه لم يعد يحدثها هي أيضا وكأن تلك الكلمات قد هزته من الداخل، قد وضعته أمام المرآة الحقيقية وليست من وهمته أنه المثالي في كل شيىء...

في ليلة ككل الليالي لم يكن بها حدث يميزها، أو أخبار سارة تغير الحزن المهيمن عليها، جاء والدي فور انتهائه من صلاة العشاء، دخل غرفته وأغلق الباب، وبدأت هواجس النفس تزداد حتى علا صوته دون وعي منه قائلا " هل كنت على خطأ؟!" ألم أكن الأب المثالي؟ فدائما كنت أختار القرار لأنني وحدي من يعلم العواقب، أنا الأكبر فأرى أفضل منهم، أحميهم كي لا يتعثروا في الطريق مثلي، أود لو أتخلص من ألسنة الناس وأعينهم فمن يمتلك فتاة تحمل إسمه، يتحمل عواقب امتلاكها، ذهابها وإيابها، من أين جاءت في ذلك الوقت المتأخر، وأين ستذهب وحدها، لا بد وأن يصطحبها أحد، ولكن إن كنت بالخارج في العمل كيف سأتركها تذهب وحدها، إنهم هَمُّ يحمله المرء منّا حتى نهاية عمره فلا يتخلص منه إلا حين تزهق روحه، وإذا به من وسط كل هذا تنهض مرآته من سباتها العميق وتصرخ فيه بكل قوة، أليس يكفى هذا؟ لست أنت الرب لكي تدير الأمر كله، وأولادك جميعا؛ أطفالا وطِفْلاَتٌ هم ليسوا إلا نعمة من ربك فليس لك حق في أن تشرع حقوق لهذا وتحرم ذاك، ليس هناك شيئ أو شخص مثالي على وجه الكرة الأرضية، ما نحن إلا أشخاصا قد خلقت لتخطئ فتتعلم من خطئها وتكرره ثانية فتتذكر الثواب والعقاب، فتخاف حينا وتتجرأ حينا آخر، تلهو وتلهث وراء رغبات ممنوعة، للشعور بتلك اللذة التي قد حرمت منها، فربما تصدر احتياجاتها النفسية في تعذيب الآخرين وربما في حرمانهم وأيضا قد يكون في اكتفائنا بذاتنا وعدم الرغبة في الإفصاح عما بداخلنا للآخرين. فمن المؤسف أنك قد صدقت أكذوبتك الكبيرة، تظن أنك تضحي وتحرم نفسك وفي الحقيقة أنت تنتقم من ماض مظلم قد عشته، يا لك من مخادع!


لم يتحمل الأب كل تلك الكلمات من مرآته، فكيف تتحول المرآة المصاحبة له كل هذا الطريق إلى كاشف له عما يضمره في وعيه اللاذاتي ولم يكن يود الإعتراف به. بدأ يشعر الأب بضيق التنفس حتى سقط مغشيا على الأرض، وبعدها بثلاثين دقيقة أخذت زوجته في طرق الباب بشدة فلم يجبها أحد فنادت أبنائها كي يساعدوها في كسره حيث كان مغلقا بالمفتاح، فُتح الباب ورأوا والدهم ملقيّا علی الأرض دون حركة أو أي نفس خارج منه، على الفور نسيا جميعهم ما وقع، فسارعوا إليه بقلب رجل واحد يحملانه ويوضعانه في عربة إلى المصحة كي يطمئنوا عليه، كيف تحول عدم الرضا عنه إلى حب فائض جعلهم يلتفون حوله، منهم من يساعده في إعطائه الدواء ومنهم من يعينه على قضاء عمله، ومنهم من يرتب المنزل لإستقباله، فالكل يعمل من أجله...أليس جميلا شعور الحب هذا؟! يقول الأب في نفسه وهو ينظر إليهم جميعا ذاهبين عائدين من أجله، فيبدأ الحب يزيل غبارا قد راكمته السنين والجروح، وتبدأ الروح تتعلم التسامح والعطاء وتعاود رغبة التغيير تحلق في سماء الأب آملة في إصلاح ما قد فسد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معلومات عن جرثومة المعده " H pylori"

" الخشت " يصدر قراراته بشأن امتحانات الميد ترم والتكليفات الدراسية

عروض تركسل تعقيب العرض المطروح 5 جيكابايت 500 دقيقة